السعودية تُعزّز علاقاتها مع الصين ولا هيمنة أمريكية على قرارها السيادي !
د. عبدالمجيد الجلاَّل
لم تكن الوساطة الصينية , في إعادة التفاهم السعودي الإيراني ، إلا تجسيداً قوياً، للشراكة الاستراتيجية السعودية الصينية ، التي ترتكز على قِيم التعاون ، والتنسيق ، والاحترام المُتبادل .
وكانت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية في شهر ديسمبر الماضي ، وعقد قمة صينية سعودية ، تتويجاً ، لهذه العلاقة الاستثنائية ، التي جعلت الصين ، الشريك التجاري الأول للسعودية .
مجالات هذه الشراكة ، واسعة ومتنوعة ، إذ تُعد السعودية ، المزود الرئيس للصين، بالنفط الخام ، فالأخيرة ، هي المستورد الأول للطاقة في العالم ، وفي المقابل تستثمر السعودية ، في ثاني أكبر اقتصاد في العالم ، بعد الاقتصاد الأمريكي ، والدولة الأولى في العالم في تصدير منتجاتها المتنوعة ، ذات الميزة النسبية العالية ، بما تملكه ، من قدرات تكنولوجية واقتصادية وصناعية ، يجعلها قادرة على التمدد ، حتى في مناطق نفوذ الولايات المتحدة .
لذا ، فإنَّ الشراكة مع الصين ، والاستثمار في المجالات الصناعية والتقنية الصينية ، إضافة نوعية للاقتصاد الوطني ، ودعامة أساسية لرؤية المملكة 2030 .
وكان تعزيز الالتقاء بين مبادرة الحزام والطريق الصينية ، التي تشمل عشرات الدول ، باستثماراتٍ صينية ، تصل إلى نحو 8 تريليونات دولار ، وبين رؤية السعودية 2030 ، هو الأبرز في مجالات التعاون والشراكة الاستراتيجية بين الدولتين ، وسيكون ذلك حتماً ، لمصلحة الصين والسعودية معاً لجهة تقاسم منافع الشراكة الاقتصادية والتجارية ، ومشروعات المناطق الحرة ، وزخم الفرص الاستثمارية الضخمة المتوقعة .
من جهة أخرى ، ومع تقدير المملكة ، واعتزازها بالشراكة مع الصين ، فإنَّ الأمر على أهميته ، يظل مجرد محور ، من محاور العلاقات السعودية الدولية ، إذ لديها شراكة وتعاون مع كثيرٍ من الدول ، خاصة الدول ذات البعد الصناعي والتقني المتقدم ، ومنها الولايات المتحدة ، وأوروبا ، واليابان ، وكوريا الجنوبية ، وروسيا!
إذاً ، السياسة السعودية الخارجية ، لا تضع كل البيض في سلة واحدة ، بل تتسم سياستها ، بالتنوع ، والتعدد ، والتمدد ، بما يكسبها أرضية واسعة ، تأخذ منها ما تشاء ، بما يخدم مصالحها ، وأهدافها ، وتوجهاتها .
على أية حال ، تشهد المنطقة والعالم ، تنامي صعود التعددية القطبية ، فلم يعد بالإمكان الحديث اليوم ، عن نفوذ الصين في الخليج ، على حساب أمريكا ، بل المصالح ، والحكمة السياسية ، صارت الفيصل ، في المنافسة بين الدول الكبرى ، ومن ثمَّ ، فقد أضحى التفرد والاحتكار السياسي والأمني الأمريكي في الخليج ، صفحة قديمة ، انطوت تماماً ، بنهاية مرحلة الأُحادية الأمريكية في العالم .
خلاصة القول : السعودية ، هدفها الأساس تركيز جهودها على برامجها التنموية، وجلب الاستثمارات والمشروعات ، وتعزيز الشراكات الاقتصادية والتجارية مع دول العالم بهدف دعم رؤية السعودية 2030 ، وتعزيز مكانتها بين الأمم ، وتتجنب في الوقت نفسه الدخول في سياسات المحاور والاصطفاف ، وعدم التدخل في القضايا والإشكالات الإقليمية والدولية ، والالتزام بحيادها الإيجابي ، والتمسك بقرارها السيادي ، ومن ثمَّ فإن الحديث عن الهيمنة الأمريكية ، على قرارها السيادي ، لا معنى ولا قيمة له ، لدى متخذي القرار في المملكة .