كيف نسوف أفكارنا لنحققها …
الكثير منا لديه أفكار استثمارية يمكن تطبيقها على أرض الواقع، بل البعض منا تكون لديه ثقة عمياء في نجاح الفكرة في حال تطبيقها، وفي غالب الحال إن الآلاف من هذه الأفكار الاستثمارية لا نرى منها سوى فكرة أو فكرتين على أرض الواقع، بغض النظر عن نجاح الفكرة أو فشلها، ويعود هذا الشح في تطبيق الأفكار الاستثمارية لأسباب عدة، أولها عدم امتلاك صاحب الفكرة مهارات التسويق فليس من الضروري أن يكون لديك رأس المال النقدي أو موقع مناسب لتطبيق الفكرة، فهذه المتطلبات ستحددها دراسة الجدوى، أما أنت فرأس مالك الحقيقي هو الفكرة ذاتها وكل ما تحتاجه هو العناية بفكرتك الاستثمارية وحمايتها ودعمها بمهارات التسويق التي سوف تساعدك على إيجاد الشركاء أو ممولين أو من يشتري فكرتك، كما أن براعة التسويق سوف تزيد عزمك في رؤية الفكرة في مرحلة التطبيق في حال رغبتك تطبيقها بشكل شخصي.
تعلم مهارات التسويق لا تحتاج جهداً خارقاً، فالتسويق علم يدرس في الجامعات والمعاهد خلال دورات مبسطة لتعلم فنون الإقناع وطرق إظهار نقاط القوى لأفكارك، وإهمال صقل تلك المهارات تجعلنا نسمع أحياناً جملة «فلان يقول إن هذه كانت فكرته»، لأن عدم الإلمام بأساسيات التسويق دعا الآخرين لانتهاز الفرصة والسطو على أفكارك مع حفظ حقوق الفكرة لهم، بل تجريمك في حال سماعهم ادعاءك.
أحد مليارديرات الصين يتكبد 33 مليون يورو لمدة 4 أيام فقط في العناية بأصحاب الأفكار المدرة للمال، فهو يستثمر أفكارهم التي يجني من ورائها أكثر من ما يتكبده، والجميل في عصر الثروة المعلوماتية بأن عملية التسويق أصبحت سهلة، فيمكن الوصول لملايين الأشخاص في بضع دقائق على عكس الوسائل القديمة، فالآن يمكن تصنيف المستهدفين بشكل يخدم فكرتك والتوجه بالأفكار الاستثمارية للفئات المناسبة من خلال الوسائل المناسبة بشكل حذر، لأن عملية التسويق بشكل عشوائي سبب رئيسي لفقد فكرتك.
والبشر تجاه فكرتك ثلاثة أصناف رئيسية:
صنف مؤيد، وآخر معارض، وصنف أخير غير مهتم، وذكاؤك يتأتى بمعرفة محاورك وإلى أي صنف ينتمي، فإذا ما كان من الصنف الأول ظهر ذلك سريعا، وكفاك مؤنة الحديث والإقناع، أما إذا كان من الصنف الثاني، فيكون الحل الأمثل أن تحاول تحييده ما استطعت لذلك سبيلا؛ أي أن تجعله ينتقل من كونه ضدك إلى كونه لا معك ولا عليك، من كونه ينقدك إلى كونه يتوقف عن نقدك.
أما هدفك مع الصنف الثالث (المحايد) فيكون بإقناعه إلى أن يصبح مؤيدا، ومتحمسا، ومؤمنا بالفكرة.
نخطئ كثيرا عندما نُحدّث أنفسنا، ونملأ مؤتمراتنا ولقاءاتنا بأتباعنا ومن يؤيدنا، فنفرح بهزّ الرأس، وإيماءة الموافقة، ولا ندرك أننا كمن يضيء مصباحا والشمس ساطعة؛ وذلك لأن الفكرة أصلا واضحة وجلية في عقول هؤلاء.
نخطئ كذلك عندما نتعامل مع المعارض للفكرة وهدفنا الأول والأخير والوحيد إقناعه بها رغم صعوبة ذلك، فنُصعّب على أنفسنا الأمر، ولا نصل إلى أي فائدة تُذكر.
والذكاء أن أحدد هدفا واقعيا أصل إليه في حواري مع الشخص الذي أودّ إقناعه بالفكرة.
ثم نبدأ بعد ذلك في بعض الخطوات العملية كي نقنعهم بقوة فكرتنا وأصالتها، هذه الخطوات تتلخص فيما يلي:
- وضوح الهدف: هذه أول وأهم وأخطر الاستراتيجيات؛ وذلك لأننا مع الأسف وعندما نتحاور مع الآخر نتجه بحوارنا إلى شخصنة القضية المثارة، ويصبح أمر إقناعه أو عدم إقناعه مسألة شخصية، وهذا أخطر عائق يواجهنا.. وضوح الهدف يا صاحبي يدفعك إلى أن تتحمل ما قد لا تتحمله لو كنت تتحدث عن قضية شخصية تمسّك، ستستشعر وأنت تبلع الكلمات أو العوائق التي يواجهك بها محاورك بنوع من الرضا الروحي؛ نظراً لكونك تصمد وتصبر من أجل قضيتك.
ستبتسم في الوقت الذي تودّ فيه أن تحطمه ، وتتحدث بهدوء وروية وقد كان باستطاعتك أن تشد أحبالك الصوتية إلى منتهاها، وتزعجه بصوتك العالي، وحديثك المنفعل، إخلاص النية واستحضار الهدف محور مهم جدا كي تكون أكثر اتزانا، وهدوءا، وقوة. - افهم وجهة نظر الآخر: المحاور الجيد مستمع جيد، وإقناعك للآخر يحتاج منك أولاً أن تتفهمه، وتتفهم الدوافع والأسس والحجج التي يؤمن بها، وكذلك الشبهات والحجج التي تجعله يتخذ من قضيتك موقفا مخالفا.
اتركه يتحدث، ولا تصادر حقه في إبداء وجهة نظره أو قناعته الشخصية، مهما بدا لك سخفها وسوؤها وهشاشة بنائها العقلي والمنطقي؛ لأنه مع ضعفها أمام منطقك قد تكون صلبة وصلدة في عقل الآخر، والذي قد يتعصّب لها من باب العاطفة أو المنفعة ، ففهمك لوجهة نظره حتى وإن لم تتقبلها، ينقلك إلى النقطة الثالثة بذكاء. - حلل حوارك إلى عنصرين أساسيين هما:
المقدمات المنطقية: وهي تلك البيانات أو الحقائق أو الأسباب التي تستند إليها النتيجة وتفضي إليها.
النتيجة: وهي ما يرمي الوصول إليها المحاور أو المجادل. - الوقوف عند نقاط الالتقاء: عندما تستمع إليه، ستحدد بدقة شيئين، أولا: مناطق الاختلاف والتصادم، وثانيا: مناطق الالتقاء ونقاط الاتفاق، والتي يمكنك أن تتخذ منها متكأً للانطلاق إلى إقناعه بما تريد، أو إذابة جبل الجليد بينكما.. إن قدرتك على صياغة خطابك صياغة إيجابية وتنطلق بمحاورك إلى الأمام يخفف كثيرا من حدة الصدام والشقاق، إننا كثيرا ما نُهمل أن بيننا وبين مخالفينا مناطق الْتقاء وموافقة، ونظن أن اختلاف أيديولوجياتنا وقناعاتنا يتبعه اختلافا في كل التفاصيل والرؤى، وهذا ليس بصحيح، بل يمكنك بشيء من التدبير والتأمل أن تقف على نقاط الْتقاء، تقف عليها وتأخذ بيده؛ كي يستمع إلى ما تودّ إسماعه إياه.
- سلّم له بنقاط القوة لديه: لا يدفعك الخلاف إلى أن تخالف العقل والمنطق والصواب، إذا ما كان لمحاورك وجهة نظر، أو حُجّة، أو نقاط قوة فالأفضل أن تكون مُنصفا وتُسلم له بصحة ما يقول، ووجاهة رؤيته أو تحليله، يساعد هذا كثيرا على إظهارك بمظهر المُنصف العدل، وكذلك يضعه في موقف حرج إذا لم يُسلم هو الآخر بصحة موقفك ووجاهته.
- قُلْ ما يناسب محاورك: ربما تكون لديك حجج كثيرة مُقنعة، أنت لست بحاجة إلى قولها كلها، يمكنك إن أسهبت في ذكر جميع الحجج أن تُغرق من أمامك -سواء كان شخصا أو مجموعة- في بحر من الشواهد والحقائق التي قد تضرّ إذا كثرت عن الحاجة، اذكر له فقط الشواهد أو الحجج التي تناسب عقل محاورك، وتناسب كذلك الموقف الذي أنت فيه.
- تأكّد من مصادرك الموثوقة: لا تأخذك الحماسة لنقل معلومة، أو قول، أو ذكر إحصائية أو خبر أنت لست متأكدا منه، ستكون ضربة قاصمة إذا ثبت عدم دقة استدلالك، لذلك كن دقيقا جدا في مصادرك، ويا حبذا إذا ذكرت مصدر معلوماتك.
- أظهر فرحك الحقيقي غير المصطنع بكل حق يظهر على لسان الطرف الآخر، وأظهر له بحثك عن الحقيقة لأن ردك لحقائق ظاهرة ناصعة سيشعر الطرف الآخر بأنك غير موضوعي وإنما تبحث عن الجدل والانتصار نفسك.
- وختامها ليكن مسكا: وأنت تختم حديثك حاول أن تلخّص وجهة نظرك، مؤكداً على ما اكتشفته من تقارب في الرؤى والأفكار، لا تدع محاورك حائرا في مغزى كلماتك، ومضمون الرسالة التي تودّ إيصالها إليه، بكلمات موجزة وبليغة كرر على مسامعه ما حاولت تبيانه له خلال حوارك معه.