خطيئة عسكر السودان !

خطيئة عسكر السودان !

د. عبدالمجيد الجلاَّل


لن أتحدث ، هنا ، عن أحداث السودان الدامية ، الجارية اليوم ، والاشتباكات المؤسفة ، بين الجيش السوداني ، وقوات الدعم السريع ، فهذا الأمر ، متروك ، للقنوات الإخبارية الفضائية ، التي تتابع هذه الأحداث ، بشكلٍ مفصل ، ودقيق .
لكن سيكون حديثي اليوم ، عن خطيئة إنشاء قوات الدعم السريع ، والصبر عليها، حتى ، تحولت ، بمرور الوقت ، إلى جيش موازي ، يهدد الجيش الأساس، ويفرض شروطه العسكرية والسياسية ، على قيادة وأحزاب السودان !
إذ ، يُعد قرار إنشاء قوات الدعم السريع ، من أكثر خطايا القادة العسكريين في تاريخ في السودان الحديث ، وقد صدر قرار الإنشاء ، في عهد الرئيس العسكري السابق عمر البشير ، لأهدافٍ ضيقة ، ومصالح خاصة ، وتحالفات ظرفية ، بعيدة كل البعد ، عن المصالح الاستراتيجية ، الحافظة لأمن السودان ، واستقراره ، وسلامته ، على المدى والطويل !
ومن المؤسف جداً ، أنَّ القادة العسكريين ، الذين حكموا البلاد ، بعد سقوط نظام البشير ، وخاصة رئيس الدولة الجديد عبدالفتاح البرهان ، لم يدركوا ، فداحة خطيئة البشير، والعمل من ثمَّ ، على الحدّ من نمو وتمدد قوات الدعم السريع ، وصولاً إلى إنهاء وتفكيك هذه القوات ، بل فتحوا لها خزائن الدولة ، وسمحوا لها بتجنيد المزيد من القوات ، والتمدد داخل الأراضي السودانية ، حتى في مكاتب القصر الجمهوري ، وقيادة هيئة الأركان ، وفتحوا لها المجال كذلك ، للعب العديد من الأدوار الإقليمية والدولية ، في سياق صفقات سياسية وعسكرية ضيقة الأفق ، لتقاسم المصالح والنفوذ والهيمنة ، على حساب مستقبل الأمن القومي السوداني !
أمام هذا الخلل الأمني الفادح ، تحولت قوات الدعم السريع ، إلى جيش موازي ، وخطر مُحدق ، بالأمن والاستقرار السوداني ، بإمكانات اقتصادية هائلة ، وامتداد سياسي كبير ، وتحالفات مع بعض الأحزاب والقوى السياسية ، حتى وصل بها الأمر ، والجرأة ، إلى تهيئة السودان ، لخدمة طموح قائدها السيد محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي ، في استلام دفة حكم السودان !
على كل حالٍ ، لا بدَّ من التأكيد ، على أنَّ مشكلة السودان الأساسية ، في افتقاد قادته من العسكريين والمدنيين ، على حدٍ سواء ، إلى الحكمة السياسية في إدارة شؤون البلاد ، وانصرافهم ، إلى تثبيت مصالحهم ، وتحالفاتهم ، وإدارة صراعاتهم، لتثبيت نفوذهم ، ومصالحهم الضيقة ، في وقتٍ ، كان عليهم إدارة شؤون البلاد ، بما يخدم مصالح وأمن الدولة السودانية أولاً ، وقبل أي شيء آخر !
خلاصة القول ، السودان بلد عربي شقيق ، يمر بظروف سياسية واقتصادية ، غايةً في الصعوبة ، وهو بحاجة إلى دعم عربي ، لإعادة ترتيب أوضاعه ، وتحقيق الوئام بين مكوناته ، وإعادة بناء اقتصاده ، وانتشاله من حافة حرب أهلية وشيكة ، قد تأكل الأخضر ، واليابس !

عين الوطن