أمريكا لم تعد وسيطاً نزيها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي !

د. عبدالمجيد الجلاَّل

كنتُ على قناعة تامة بأنَّ الوسيط الأمريكي النزيه ، في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ، أكبر خدعة تستفز بها أمريكا ، كل الدول والشعوب ، التي تُعاني ، من مخاطر عدوان الدول الغاشمة ، وما أكثرها ، في هذا الزمان ، وفي مُقدمتها الكيان الإسرائيلي الغاصب لأرض فلسطين !
ولكن ، المُطلع ، على خبايا وخفايا السياسات الأمريكية ، يُدرك تمام الإدراك ، أنَّها قائمة ، على المصالح ، وحدها ، دون سواها ، أما مصالح واحتياجات حلفائها فإلى حيث ألقت !
العدوان الإسرائيلي الغاشم ، على قطاع غزة ، والدعم الأمريكي غير المسبوق ، لهذا العدوان ، يكشف أكثر ، زيف شعارات الغرب و أمريكا حول التنمية ، وحقوق الإنسان ، وأنَّ شعارهم تحقيق مصالحهم فقط ، ومصالح حليفتهم إسرائيل ، ولو على أشلاء الدول والشعوب المخدوعة بهم ، فالمصالح الأمريكية الضيقة ، تظل فوق كل الاعتبارات !
على كل حالٍ ، الخطايا الأمريكية الكارثية ، كثيرة ، منها سوء التقدير ، والحسابات الخاطئة ، وفوضى سياساتها الخارجية ، ونتائجها مريرة ، إذ ، تسببت في خلق عدم الاستقرار في المنطقة ، وفي دولٍ بعينها ، وأحالتها ، إلى بؤرٍ ، تعتاش عليها الفوضى والأزمات.
صحيحٌ أنَّ العالم ، تحكمه لغة المصالح ، والمنافع ، وهي اللغة السائدة اليوم ، وفي الغالب ، هي المسؤولة عن التخبط والفوضى التي يعيشها هذا البلد أو ذاك ، لكن لا يمكن القبول ، بأن تكون لغة عنيفة ، تستبيح كل القيم ، والأخلاق ، والدماء المعصومة ، مثل ما تفعله أمريكا وإسرائيل !
من المؤسف أنَّ الولايات المتحدة ، ومنذ سنوات أوباما إلى بايدن ، تدفع أثمان سياساتها المُتخبطة ، وعدم امتلاكها استراتيجية واضحة المعالم تجاه قضاياها وملفاتها ، ما أدى إلى استمرار الفوضى ، والحرائق المُشتعلة في المنطقة ، من سورية إلى اليمن ، وإلى قطاع غزة أخيراً !
بالمناسبة ، كانت منطقة الشرق الأوسط ، ولعقودٍ من الزمن ، منطقة نفوذ أمريكي، حتى أنَّها كانت ترفض منح حلفائها في الاتحاد الأوروبي دورا أكبر من تقديم بعض المساعدات ، ولكن سياسات الانكفاء والتراجع الأمريكي في السنوات الأخيرة ، دفعت بالصين وروسيا ، لتتقاسم النفوذ والهيمنة في هذه المنطقة ، مع أمريكا ، بعد أن كانت منطقة نفوذ أمريكية خالصة ، ويبدو أننا أمام حربٍ باردة تضطرم نيرانها ، بين هذه الأطراف الدولية المُتنافسة .
على كل حالٍ ، إذا صلُحت النوايا العربية ، وغابت الذهنيات المريضة ، والخلافات المُصطنعة ، والكيد السياسي ، وحلَّ محلها ، العمل العربي المُشترك ، فإنَّ النتيجة المباشرة ، هي توحيد الجهود ، والمواقف ، والسياسات ، تجاه القضايا العربية المُنهكة بالتدخلات والمصالح الدولية ، خاصة المصالح الأمريكية ، فقد قال الشافعي رحمه الله ” ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفركَ فتولىَّ أنتَ جميعَ أمركْ وإذا قصدْتَ لحاجَة فاقْصِدْ لمعترفٍ بقدْرِكْ ” وهذه الحكمة الشافعية ، يحتاجها عرب اليوم ، في برامج إعادة بناء قوتهم وهيبتهم ، في عالمٍ لم يعد يحترم سوى الأقوياء .
خلاصة القول ، علينا المبادرة لخدمة مصالحنا ، بقدراتنا الذاتية ، وعلاقاتنا مع الأشقاء والأصدقاء، وعدم الارتهان للإدارات الأمريكية المٌتعاقبة التي تبحث عن مصالحها فقط دون سواها وهذا ما تفعله السعودية اليوم .

عين الوطن