مُخطِط حضري: مشروع ترميم مباني جدة تقديراً لقيمتها التاريخية والإنسانية

أكد المخطط الحضري “فؤاد العسيري” أن مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية يجسد رؤية السعودية نحو الاستفادة من غناها التاريخي والثقافي، وأن مدنا أخرى في السعودية مؤهلة لذات النوع من التطوير، بسبب كثافة المباني التاريخية مثل أبها والعلا والدرعية، وكلها لها مشاريع مستقلة على نفس خطى مشروع جدة التاريخية.

وأضاف في تصرح خاص لـ”العربية.نت”: أن الكثافة لاستدامة تلك المواقع مهمة لجلب الاستثمارات التي تتوج وتكمل مجهودات أجهزة الدولة المختصة في التطوير، وذلك يقع على عاتق أجهزة أخرى تطوير منظومات النقل المتكامل حتى تكون أكثر جذبا واستدامة.

وبيَّن أن المشاريع المماثلة حول العالم تشير إلى أهمية الحفاظ على التراث العمراني والثقافي كجزء من هويتنا الثقافية والتاريخية. وهذه الجهود تعكس التزام المجتمعات بتراثها، موفرة في الوقت نفسه فرصًا للتنمية المستدامة والتواصل الثقافي عبر الأجيال.

جدة التاريخية

جدة التاريخية 

600 مبنى تاريخي

وذكر “العسيري” أن جدة التاريخية -المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي- تضم أسواقا تاريخية وما يزيد عن 600 مبنى تاريخي بهندسة معمارية فريدة تعكس قدرة سكانها على التكيف مع بيئتهم، في حين أن توجيهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ترجمت من خلال برنامج جدة التاريخية، وهو تحت إشراف وزارة الثقافة التي تقوم بتطوير البلد في مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية، سعيًا أن تكون منارة للثقافة والفنون والتجارة ووجهة تراثية عالمية مستدامة، تولد فرصًا للتنمية المجتمعية والاقتصادية عبر الاستثمار بتراثها وثقافتها، كما أن شركة تطوير البلد، وهي إحدى صناديق الاستثمارات العامة هي المطور الرئيسي.

ما يشمله مشروع ترميم مباني جدة التاريخية

وحول برنامج جدة التاريخية قال العسيري: يشمل مشروع ترميم مباني جدة التراثية، والذي يمثل خطوة استراتيجية مهمة نحو الحفاظ على التراث العمراني والثقافي للمملكة، ويهدف المشروع إلى إحياء المنطقة من خلال ترميم المباني التي تراوح أعمارها ما بين 100 إلى 1400 سنة، وتطوير الواجهات البحرية بطول 5 كم، وإنشاء حدائق مفتوحة تغطي 15% من إجمالي مساحة جدة البلد، في سعي لتحويلها إلى وجهة ثقافية سياحية عالمية، ويتضمن المشروع أيضًا إنشاء متحف موسيقي في المنطقة يحمل اسم الملحن طارق عبدالحكيم، مما يعزز الأبعاد الثقافية للمنطقة.

جدة التاريخية

جدة التاريخية 

مكونات المشروع

وذكر أن المشروع يتضمن عدة مكونات، من أهمها إعادة البحر إلى البلد، وهو تحول جوهري يسعى لإحياء العلاقة بين المدينة والمياه المحيطة بها، والتي كانت جزءًا لا يتجزأ من هويتها وتاريخها، حيث تُظهر السجلات أن جدة كانت تشتهر بكونها مدينة بحرية، حيث كان البحر يلامس أسوارها القديمة، لكن مع مرور الزمن وتغيرات التوسع العمراني، فُصل البلد أو المدينة القديمة عن البحر.

وأوضح أن المشروع لا يقتصر على الجانب العمراني والتراثي فحسب، بل يشمل أيضًا إضافة البعد الاقتصادي والثقافي، حيث يُخطط لأن تصبح المنطقة وجهة جذابة للأعمال والسياح، وتنعكس هذه الرؤية في مختلف عناصر المشروع، منها مراعاة معايير الاستدامة البيئية والحفاظ على الهوية الثقافية المحلية، بالإضافة إلى ذلك، يُظهر المشروع تقديراً للقيمة التاريخية والإنسانية للمنطقة، حيث تُعد جدة التاريخية نقطة التقاء رئيسة للناس والتجارة والثقافة، بدءًا من تأسيسها كموقع لصيد السمك في القرن الثالث قبل الميلاد ومرورًا بعصور تاريخية متعددة أسهمت في تكوين شخصيتها الفريدة. كما يهدف المشروع إلى إعادة تلك الصلة من خلال إنشاء واجهات بحرية نشطة وحدائق ممتدة تجمع بين الجمال الطبيعي والقيمة التاريخية، وذلك كجزء من برنامج شامل لإعادة تأهيل منطقة جدة التاريخية.

نماذج عالمية

واستشهد “العسيري” بتجارب عربية ناجحة في مجال ترميم وإحياء المناطق التاريخية، تشمل مشروع تجديد منطقة سوق واقف بالدوحة، الذي يعتبر نموذجًا لترميم المباني التاريخية مع الحفاظ على النسيج الاجتماعي والثقافي والتجاري للمدينة، وحي الفهيدي التاريخي في دبي الذي كان يسمى البستكية قديماً، هو مثال على الحفاظ على التراث، حيث يعكس حياة الإمارة في القرن التاسع عشر، وتم ترميم هذه المنطقة العريقة لحماية بناياتها التقليدية وتحويلها إلى مركز ثقافي يضم معارض فنية ومتاحف، كذلك ترميم الأحياء العتيقة المتدهورة بالجزائر العاصمة، يعتبر مثالًا لإعادة تأهيل الفضاءات التاريخية مع الحفاظ على طابعها الأصيل.

وفي أوروبا، تعتبر إعادة بناء البلدة القديمة في فرانكفورت مثالًا بارزًا، وهدف المشروع إلى استعادة روح المدينة الأصلية من العصور الوسطى، مع استعادة المباني الرئيسية إلى مظهرها التاريخي مع تخللها بتفسيرات عصرية للأنماط القديمة، وكذلك، مشروع “البلدة القديمة” في وارسو، بولندا، الذي أُعيد بناؤه بعد الدمار الذي لحق به خلال الحرب العالمية الثانية، والذي أصبح الآن موقعًا للتراث العالمي لليونسكو.

عين الوطن