حديثة عهدٍ بالإسلام..(ذات الصوت الرخيم)



بقلم : أمل يونس

هي من بيئة متحضرة ومن أسرة شبه متدينه إلا أنها لم تكن تلقي بالًا للأمور الدينية!!  فقد كان جُل اهتمامها منذ نعومة أظفارها يصب في تحقيق طموحاتها والبحث عن الطرق الناجعة للوصول إلى أهدافها التي رسمتها في مخيلتها؛  فبعد حصولها على وظيفة بالقطاع الخاص تحديدًا في شركة سياحية زادت علاقاتها بالعملاء والسياح وصارت ذات طابع ودود واجتماعي أكثر مما عرفت به، أحبت عملها كثيرًا فأحبها بالمقابل المسؤولين كيف لا، وهي أشبه بالنحلة المجدَّة  فتفانيها وعطائها بات محط أنظار جميع الزمله والزميلات بالشركة. 
ظلت في حراك دائم إلى أن استوقف حراكها أمرٌ غير مسبوق وغير مألوف فقد نزلت سائحة استثنائية في أحد الفنادق التابعة للشركة التي تعمل بها وكانت السبب الرئيسي في تحول مسارها ونقطة التحول التي قلبت حياتها رأسًا على عقب !!!
لفتت تلك السائحة نظرها، فمظهر ثيابها وهيئتها تجبر المرء على معاودة النظر إليها !   همست في سرها قائلة: من المؤكد أن هذه السيدة تنتمي لدولة عربية مسلمة، أما الملفت في الأمر هو تنقلها بحجابها الإسلامي دون أن تشعر بأدنى حرجٍ منه !!  فاحتشامها وسط آلاف النساء الغير محتشمات وثقتها بنفسها أصابتها بالدهشة والفضول في آنٍ واحد!! ناهيك عن وابل الأسئلة استفهامًا وانكارًا ؟؟؟!!!
اقتربت منها لتلقي عليها التحية فبادرت الأخرى بالرد التلقائي الممزوج بلغة ولكنةٍ رائعتان ، أدهشها ما ألتمسته من ارتياح في نبرة صوتها الرخيم !!
ظلت صورة تلك السائحة وصوتها المميز يترائى أمامها طوال الوقت،  سهرت ليلتها على الحاسب الآلي
تبحث عن سر هذا الدين الإسلامي، فهي لا تعرف عنه سوى اسمه،  أرادت معرفة السبب في تمسك معتنقيه بقيمه ومبادئه كانت تبحث عن الحقيقة، لعلها تجد ما يطفئ لهيب فضولها !!
وفي اليوم الثاني ذهبت للعمل فتوجهت فورًا إلى  الاستقبال بالفندق لتسأل عن المرأة المسلمة التي أبهرتها بسماحتها ومظهرها الاستثنائي الفريد  ، ولم تلبث حتى التقت بها مصادفة عند باحة الفندق، فاستوقفتها وألقت عليها التحية، ثم طلبت أن تعطيها بعض من وقتها فقبلت الأخرى بلا تردد، تجاذبتا أطراف الأحاديث ومر وقت ليس بالقصير، وهما تتحاوران بانسجام لافت وكأنهما تعرفان بعضهما البعض من قبل !! والجميل ما كانت تتحدث عنه المرأة المسلمة فقد كانت تخبرها عن الإسلام  وبأنه دين الله الذي ارتضاه وأتمه وأكمله للعالم أجمع،  لقوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) سورة آل عمران (19)
وتابعت حديثها الشيق عن ما يميز الدين الإسلامي الحنيف وعن ما تنعم به المسلمات تحت مظلته من حقوق وواجبات،  ثم توالت اللقاءات بينهما إلى أن قرب موعد سفرها وقبيل موعد مغادرتها الفندق، تحديدًا في يوم الرحيل حينها عرضت عليها الدخول للإسلام لتلحق بركب الصالحات،  المثير في الأمر هو تأثرها الشديد بها مما جعلها تقبل العرض وبلا تردد !!  ولبرهة ولحظة صمت دارت عشرات الأسئلة بفكرها وتسائلت في نفسها هل تراني على صواب !!؟؟ هل أنا أعيش تجربة من الخيال !؟؟
لاحت صور أفراد عائلتها أمامها ، ما عساها تقول لهم ؟؟ وهل بالفعل ستقوى على ما يترتب عليها جراء النقلة النوعية والغير مسبوقة بعائلتها بل، بمدينتها بأكملها  !!

واجهت بطبيعة الحال ردود أفعال المحيطين بها ببسالة ووقفت أمام سيل استهجانهم واستنكارهم بجسارة ، فقد تعرضت للكثير من المضايقات ولاقت من الأذى ما فاق توقعها، فسرعان ما تحولت من الإبنة البارة المحبوبة والمدللة إلى الفتاة العاقة الجالبة للعار لعائلتها ولجميع من ارتبط اسمه بها !!؟؟  ظلت على هذه الحال فترة من الزمن ، إلى أن أتى أمر الله ولاحت بشائر الفرج أمامها كحمائم السلام ،  انتقلت من محيطها إلى عالم آخر بمدينة أخرى فقد سمعت عن وجود بعض الجاليات المسلمة بها،  والجميل أنهم احتضنوها من أول يوم وصلت فيه إليهم !!
مكثت بينهم أيامٌ ليست كالأيام ، فقد تآخت مع الكثير من فتيات تلك المدينة ،  وكونت صداقاتٍ حقيقية وأدركت بأن ” أخوة الدين أقوى من عرى النسب “

توالت الأحداث تباعًا ، ومرت الأيام مسرعة وجاء اليوم الموعود يومٌ انتظرته كثيرًا ، فقد سمعت عنه الكثير ورأت الصور والفديوهات التي تحتوي على تفاصيله المبهرة والتي جعلت فؤادها يهوي إليه شوقًا، فلطالما انتظرت اليوم الذي تجد نفسها في بيت الله الحرام لتقصده إما بعمرةٍ أو بحج!!
كتب الله لها أول زيارة لبيت الله الحرام لتأدية فريضة العمرة ، ويالها من مفاجئة مدوية تفجرت على إثرها أسارير قلبها وطارت فرحًا وسرورًا،  ورددت بقلبٍ متفطر ودموعٍ منهمرة ” اللهمِّ لبيّك عُمرة،  لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك “
كانت تسير بقدميها إلا أنها تشعر بأنها تطير وتحلق بجناحين قويين في فضاء الحرم إلى أن وقع بصرها على الكعبة المعظمة فوقفت لبرهة في تأملٍ وخشوع!!
بدى لها مظهر الكعبة المشرفة مهابٌ جدًا،  فصورتها على أرض الواقع فاقت التوقعات،  ظلت في حالة ذهول وانبهار مما تشاهده من مظاهر العز والتمكين في وادٍ غير ذي زرع !!   رفعت أكف الضراعة بلسانٍ يلهج بالدعاء وفكرٍ يبتهل خوفًا وشوقًا ورجاءً ، ثم تذكرت ما قرأته ذات يوم في كتاب الهدي النبوي؛  فالنبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ إذا رأَى البيتَ رفعَ يديْهِ ثم قالَ : (اللهمَّ زِدْ هذا البيتَ تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابَةً ، وزِدْ مِن شرَفِهِ وعِظَمِهِ مِمَنْ حجَّهُ أو اعتَمرَهُ تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا ومهابَةً وبِرًا )
رأت الأيات البينات الزاخرة بها البقعة المقدسة رأي العين،، 
فبعد أدائها لشعيرة الطواف حول الكعبة المشرفة صلّت ركعتين خلف مقام نبي الله إبراهيم -عليه السلام- ومن ثم توجهت إلى حجر نبي الله إسماعيل -عليه السلام- 
تذكرت أنها تقف في جزء من الكعبة المشرفة فأجهشت بالبكاء ، ظلت تبكي طويلًا حتى أشفق عليها من كان حولها!! إن الموقف عظيم والجموع الغفيرة من حولها كثير فكلٌ قد علم مراده ورفع بما يجوب في نفسه دعاؤه!!

توجهت بعدها إلى منطقة الصفا والمروة لتستكمل عمرتها وفي طريقها حظيت من قِبل خادمات البيت الحرام بعبوة ماء زمزم فشربت وقرة عينا ، وما إن وطأت قدماها أعلى جبل الصفا ترآى لها منظر جميل جدا فقد استشعرت حالة السيدة هاجر -عليها السلام-  وهي في حالة ذعرٍ وفزع وتتنقل فيما بين جبلي الصفا والمروة علَّها تجد ماءً أو أي سبيل من سبل الحياة تنقذ به طفلها الرضيع، 
ومع أول شوطٍ من أشواط السعي دعت كثيرًا وابتهلت وهللت وكبرت ثم رددت بعض الآيات القرآنية
﴿۞ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَائر ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَیۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِیمٌ ۝١٥٨
وفور انتهائها من شعيرة العمرة توجهت إلى المصليات المخصصة للنساء سمعت صوت الأذان لأول مرة من أرض الحرم ؛ فشعرت بقشعريرة تجتاح جسدها فالمآذن تصدح به من كل جنب ثم نعمت بصلاة فرضها بين الصفوف المتراصة في منظرٍ بديع ، سألت خالقها أن يتمم عليها نعمة الإسلام والمسلمين ولم تنسى أن تخص بدعائها من كانت سببًا في رجوعها إلى الطريق المستقيم تلك المرأة المسلمة التي كانت خير خلف لخير سلف
عاد الوفد الذي جاءت معه إلى الأرضي المقدسة إلى وطنهم ،  بيد أنها لم تعد معهم ؛  فقد تراءت لها أمور عظيمة في هذه الزيارة الفريدة وكانت على هيئة فرص لخوض تجارب مغايرة في عوالم جديدة بعيدة كل البعد عما عهدتها،
كان لديها قناعة وإيمان بأن التنقل من مكان إلى آخر يثري التجربة الإنسانية للشخص وتتفتح أمامه أفآق لخوض المزيد من التجارب المختلفة !!
  حيث أن فرصة كهذه يندر تكرارها ، وكأنها غنمت بها فأتتها دون غيرها ؟؟؟
 
ومما ترآى لها وهي في بيت الله الحرام إمكانية عبادة الله -سبحانه و تعالى – بكل يسر وسهولة وطمأنينة وسكينة !! وذات يوم وبعد أدائها لفرض ربها،  مكثت في أحد زوايا المصلى لتقرأ القرآن المجيد فتنبهت لوجود مجموعة من النساء متحلقات حول امرأة وقورة  وفي يد كل واحدة منهن نسخة من القرآن الكريم والمثير للاهتمام تفاوتهن في العمر إضافة إلى اختلاف جنسياتهن باختلاف هيئاتهن وملابسهن !!!!
اقتربت منهن علَّها تنعم بما ينعمن به من روحانية وإيمان تحت مظلة كلام رب العالمين ، عرفت بعدها أن مثل هذه الحلقات تعقد يوميًا لتعليم قاصدات المسجد الحرام التلاوة الصحيحة والقراءات والسنة النبوية المطهرة والعلوم الشرعية ،  سَعُدت بما سمعت فهذا ما كانت تبحث عنه فكم حلمت بأن تتزود بالعلوم والمعارف الشرعية وتنهل منها من أرض الوحي،  بدأت سيرها لطلب العلم امتثالا لما جاء في الحديث الشريف،  عنْ أَبي هُريرةَ، أنَّ رسُول اللَّه ﷺ، قالَ: ومَنْ سلَك طرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سهَّلَ اللَّه لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ رواهُ مسلمٌ.
ثم لم تلبث حتى عرفت بأن المسجد الحرام يزخر بصروح عديدة لنشر العلوم الشرعية والمعارف المختلفة ، شعرت وكأنها تعود لسابق عهدها ولمحضن شغفها وطموحها الذي ترنو إليه وتشتاق لأجوائه دائمًا،  فالأجواء الدراسية لها مذاق مختلف ،، لاسيما في بيت الله الحرام ، فسرعة أخذ القرار الموفق سبب في إحداث النقلات النوعية في أغلب الأمور !!
سعت للإلتحاق بأحد تلك الصروح الشامخة،  ويالها من سعادة كبيرة غمرت قلبها بعد التحاقها بكلية الحرم المكي الشريف بقسم الشريعة النسائي ، فهي امرأة مثقفة بطبيعة الحال ، وتستطيع أن تنشر القيم الإسلامية بأساليب ابتكارية وإبداعية معاصرة إذا ما تسلحت بسلاح العلم الشرعي الأصيل
لاحت لبرهة مدينتها ومسقط رأسها فرأت في لحظة ممزوجة بالشوق والحنين أسرتها وأصدقائها، خرجت عبرة حااارة من مقلتيها وهي تتخيل حالهم والانغلاق جاثمًا عليهم !!!!  نعم، فهم على الرغم من التطور والتقدم الحضاري ، إلا أنهم قابعين في ضلال الكفر ، منزويين عن نور الهداية بظلام الشرك  !!
ظل أمر عائلتها هاجسٌ يوقظ منامها فما عساها تفعل إزاء هذه المسؤولية العظيمة والأمانة الثقيلة؟!!!
ثم أدركت بأنها أمام تكليف لا يقبل التنصل منه،
وعليها السرعة في اتخاذ القرار ؛ فقيمة الإنسان في اتخاذه للقرارات السليمة والسديدة،  وإنَّ من علَامة المَقتِ إِضاعةُ الوقت ، والآن لابد لها أن تسهم وبحزمٍ وإصرار في صناعة الفرق ببني جلدتها، والأمر يتحتم إذا كانَ القومُ في سُباتٍ طويل!!
حيث سبق وأن قرأت بالسيرة النبوية  (عَنْ سَهْلِ بن سعدٍ،  أنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ لِعَليًّ، : فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم . ) متفقٌ عليهِ

أضحت تنهل من العلوم الشرعية وسط منظومة تعليمية متطورة ولقد تيسر لها ذلك ؛ جراء التحاقها الميمون بقسم الشريعة النسائي بكلية الحرم المكي الشريف 
ولزيادة الثراء المعرفي والعلمي لديها ؛ كانت تتردد على مكتبة الحرم المكي الشريف القسم النسائي كثيرًا؛  حتى صار لها ركنها المميز بغرفة القراءة والإطلاع،  وسرعان ما أصبحت صديقة للمكتبة!!!  كيف لا،  وهي بمثابة الملاذ الآمن الذي تعيش فيها ألف حياة وحياة فتتنقل من خلالها عبر العصور والأزمان وسط آلاف الأفكار ومئات المؤلفات والكتب.
عادت لبلدتها ونزلت بنفس الفندق الذي ألتقت به بالمرأة المسلمة ذات الصوت الرخيم !!!!!!
عادت لحراكها ولكن أي حراكٌ هذا ؟؟؟  إنه حراكٌ مقدس موجه فقط لرفع اسم الله الأحد ؛ ولنشر دين الله الأوحد…
عادت ، وهي في أتم الاستعداد لمواجهة أهلها بحجابٍ كاملٍ وقور  وفكرٍ واعٍ منير وقلبٍ نقي رحيم وحجةٍ دامغةٍ زاهقةٌ لكل باطل،  ولسان حالها يقول:  ( نُصرةُ الدين مرتبةٌ عُليا وهدفٌ أسمَى، وعزٌّ وتمكين، وهي ميدانٌ فَسيح لكل مسلمٍ ومُسلمة. )

عين الوطن

مَجْموعة نُخبة الثَّقافة والإعْلام تَحْتفلُ بِمرورِ عَشر سَنواتٍ عَلى إِنْشَائِهَا

مَجْموعة نُخبة الثَّقافة والإعْلام تَحْتفلُ بِمرورِ عَشر سَنواتٍ عَلى إِنْشَائِهَا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *