د. عبدالمجيد الجلاَّل
دعونا أولاً نرفع القبعة عالياً لتثمين الجهود والأعمال القطرية في تنظيم فعاليات كأس العالم 2022 … خاصة حفل الافتتاح ، فقد كان لوحة سريالية مُبهرة جديرة بالإشادة .
وتجسَّد الإبداع القطري في بلورة حفلٍ عولمي ، بطابعٍ ثقافي عربي إسلامي ، استحقت به ، الثناء والفخر بإنجازها ، رغم كل التحديات الصادرة من جهاتٍ عديدة، إقليمية ودولية !
من تداعيات هذا الحدث التاريخي ، أنَّه أعاد ما انقطع من مشاعر العرب ، تجاه عروبتهم وتاريخهم المُشترك ، شاهدنا ذلك في وقوف كل العرب ، خلف منتخبات السعودية ، وقطر ، والمغرب ، وتونس ، فقد غابت الذهنيات ضيقة الأفق ، وحلَّ محلها الذهنيات الجامعة التي جعلت من مونديال قطر ، تجمعاً عربياً شعوبياً فاق كل التوقعات ، إذ اصبح القطري سعودياً ، والتونسي مغربياً ، والكل كان عربياَ !
تجمعت الجماهير العربية ، في مدرجات الملاعب ، وفي كل ساحات وميادين الدوحة ، تهتف بحناجرها ، لنصرة منتخباتها العربية ، وكان اللافت في هذا المشهد غير المسبوق ، حضور قضية فلسطين ، فكانت القضية الجامعة ، التي ترسخت في وجدان العرب وفكرهم وثقافتهم !
نأمل أن يُحرَّك مونديال قطر، الآمال ، بتعزيز وحدة الصف العربي السياسي في كل المحافل والجبهات ، وصولاً إلى بناء مشروع عربي موحد ، يُعيد بناء أجنحة العرب المُتكسَّرة ، لينهضوا من جديد ، سياسياً ، واقتصادياً، وثقافياً ، وتنموياً !
إذا أراد قادة العرب استنهاض همم أمَّتهم وشعوبهم ، فعليهم البناء على مخرجات مونديال قطر ، عبر تعزيز علاقاتهم البينية ، وبناء قدراتهم الذاتية ، وأن تكون كل قمة عربية ، لخدمة مصالح العرب وقضاياهم ، وكل شؤونهم !
من حق المواطن العربي أن يتساءل بُحرقة ، عن الظروف والمعطيات السياسية والتاريخية التي مكَّنت الدولة الفارسية ، وأذنابها في المنطقة ، من فرض هيمنتها على جزء مهمٍ من المنطقة العربية ، تسرح فيها وتجول ، وتنشر التشرذم والدمار والحروب والصراعات الطائفية … دون أن تجد إرادة عربية حاسمة ، تكبح جماحها العدواني، وتتصدى لأجندتها التوسعية الحاقدة ، وتطفئ نيران الطائفية البغيضة التي أشعلتها في المنطقة العربية خدمة لأهدافها الشيطانية.
على أيَّة حال ، يدفع العرب اليوم ، وبقسوة ، ثمن غياب الرؤية الفكرية والسياسية الرشيدة ، والضمائر الحيَّة المؤمنة بقضايا ومصالح الأُمّة ، ما جعل الأجواء العربية ، مُمهِّدة وجاهزة ، لكل طامعٍ وناعقٍ في الشرق والغرب ، لممارسة لعبة المصالح ، والقوة والعدوان ، في استرخاصٍ مشين للدماء والمصالح والكرامة العربية.
نأمل أن يكون مونديال قطر ، فرصة فريدة ، لإعادة نافذة الأمل بغدٍ عربي أفضل ، ينفض عنه غبار سنواته العجاف ، ويُعيد أكسير الحياة والقوة إلى أجنحته المُتكسَّرة ، ويدير لعبة المصالح الدولية والإقليمية لخدمة أهدافه في النمو والتنمية، والأمن والاستقرار ، تحت القيادة السعودية التي احتضنت ولا تزال هموم العرب ، وقضاياهم المصيرية .
خلاصة القول : قديماً قال شاعر العرب المُتنبي : ” مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ… ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ ” فهل يستوعب العرب قراءة معطيات تاريخهم وإرثهم الحضاري جيداً !