في المجتمع العربي أمورٍ مغرية لا بد لها من نقاشٍ صريح حولها ، وظواهرٌ كثيرة تحتاج إلى وضع حدود للحد من انتشارها ، ومن الظواهر التي انتشرت منذ فترةٍ وجيزة ظاهرة انتشار الكتب و هي ظاهرة إيجابية في بعض الأمور ، وغير إيجابية في أمورٍ أخرى ، فمثلاً في الأمور الجيدة أنها أتاحت للكثير نشر كتبه ومؤلفاته والبعض بسببها أثبت أنه موهوبٌ بالفعل ويستحق أن يكون كاتب بجدارة ، أما الأمور غير الجيدة هي أن بعض دور النشر اعتمدت على الربح فقط بغض النظر عن قيمة محتوى الكتاب وثراءه ؟
ومما لا شك فيه أن هذا الهدف سببٌ في ضعف ثقافتنا وهويتنا العربية.
هناك شيئ مشترك بين معظم الكتب الآن ألا وهو أنها أصبحت تعتمد على شكل الغلاف الخارجي، وجودته ،ونوع ورقه، وإثارة العنوان، ومدى جذبه للقراءة بغض النظر عن قيمة وثراء المحتوى، كتب كثيرة أصبحنا لا نعود لقراءتها مرة أخرى.
وهنا نقف امام عدد من الاسئلة :
لماذا المحتويات أصبحت رثة هزيلة؟
ولماذا أصبح عدد الكُتَّابِ والكتب كثيرة في هذا الوقت عن ما مضى؟
وهل معظم الكُتاب فعلاً أصبحوا يبتغون الهدف الربحي فقط دون ثراء المعلومة؟
وقد تم طرح هذه الاسئلة على بعض الكتاب وعن هدفهم من الكتابة ؟و لماذا هم يكتبون ؟
وإجابةً على السؤال أكد الدكتور سامي الجريدي رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الطائف، ومؤلف عدة كتب قال:
من بعيد ، حيث أطلُ على منطقة محجوبة ، تلك المدن اللامرئية التي وصفها الإيطالي إيتالو كالفينو، مدنٌ سكنتها زمناً حتى استبدت بي أحرفها ، وسكنتني بكل ما تملك من حبر وجرح وروح ، فوجدتني متماهياً مع الهدف الذي منه أخذتُ على عاتقي أن أكونه – أن أكون كاتبا – وهكذا وجدتني أكتب .
كتابة أشبه بسؤال ، وأخرى تطير بي للبحث عن أجوبة المعاني والمعاناة المعتقة في ثنايا التعابير ، مسافات طولية أقطع بها عرض الحقائق في معرفة الذات والوجود ، ولا شيء غير الإيماءة الأخيرة لمشهد مباغت ، وفخ ، وتفسير آخر للخلاص، التي خرجت بها كتابتي متحررة من بؤس الحياة وقلق الإنسان، و كتابات أخرى تراودني كي انتصر بها على السأم وقول ما لا يقال .
وقد قال الدكتور أحمد الهلالي الأستاذ بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة الطائف ورئيس النادي الأدبي الثقافي بالمحافظة أن الكتابة شأن خاص بالكاتب، وتختلف الدوافع إليها، فمن الكُتاب من يجدها حاجة نفسية، ومنهم من يجدها حاجة اجتماعية أو علمية، ولعلي لا أغالي إن رأيتها تفي بكل الحاجات السابقة، على مستواي الشخصي ـ على الأقل ـ لأنها تعمل على تنظيم أفكاري وعلى إنعام النظر في الكثير من المسائل التي تكون عابرة في سماوات الفكر فتقديها الكتابة وتهذبها، كما أنها تدفعني إلى القراءة والتقصي وتجديد المعلومات وتحديثها، في الشأن الذي وجدتني أكتب عنه.
الكتابة ـ أيضا ـ هي رسالتي إلى مجتمعي وإلى العالم، فمن خلالها أعبر عن أفكاري وعن رؤاي وطموحاتي، وفي ذات الوقت أتوخى أن تدفع الآخر إلى النظر من زاوية شعرت أنه لم ينظر منها، أو التنبيه إلى أمر ينفع الناس أو يدرأ عنهم ضررا متوقعا، فالكتابة بمعناها الإيجابي لا تأتي إلا بخير، ولا أهدف من ورائها إلا لهذا المعنى سواء على مستواي الشخصي أو على المستوى الاجتماعي والإنساني .
وقالت الشاعرة زكية الفضلى مؤلفة ديوان سلسبيل وإحدى صحفيين صحيفة عين الوطن الإلكترونية أن هدفها من الكتابة هو، إيصال رأيها وصوتها والتعبير عن أفكارها والتنفيس عن مشاعرها .
وقد قالت القائدة التربوية والعضوة في النادي الأدبي الثقافي بالطائف حصة سعد البوحيمد لماذا أكتب ؟؟
سؤال يباغت صمتي ويقتحم اكتفائي بقلمي عن لساني،
لم أسأل نفسي يوماً لماذا اعتزلت الصوت إلى همس الورق وقد أجد صعوبة في التبرير ، ولكن سأحاول أن أخرج إليكم بأسباب مقنعة إجابةً للسؤال المطروح
أن أكتب حين أتألم و أكتب حين أفرح وأكتب تفاعلاًً مع الآخر ، الكتابة جزئي المتحرك في حروف وكلمات وأهرب على أجنحتها من الواقع أحياناً وأعيش في خيالها ما عز في الواقع أكتب لأفك قيد حروفي المخنوقة وأنثرها عبيرا لعشاق الأحرف وأكتب لأغازل الفرح وأتحسس المواجع أكتب لأني لابد أن أكتب فالكتابة بشكل عام تفريغ وتفريج ولأن الله وهبني أسلوب الكتابة الأدبية فهي وسيلتي وترجماني ورسالتي إلى مجتمعي ويتضح خط سيري في نتاجي الأدبي
ففي إصداري الأول انبعثت من قلمي المتعايش مع شخوص حياتي إيماءات خاطفة متحسسة لأحداث المجتمع ومواجعة في ثوب قصص قصيرة وفي الإصدار الثاني
دفقات خاطر بملامح شعرية ومشاعر ذاتية متباينة مابين المد والجزر وفي كل ذلك أجد نفسي فأنا وقلمي وشعوري كيان لا يتجزأ.
وقد قالت سامية البريدي إحدى كاتبات صحيفة عين الوطن عن هدفها من الكتابة : أنني أكتب من أجل إرضاء نفسي وطموحي وهدف ما في داخلي، اكتب لأنفس ما بداخلي من عبارات يصعب اخراجها شفهيا، أكتب من أجل فكرة أو من أجل الدفاع عن مبدأ أو عن قضية، أمارس حقي مثل الآخرين الذين يزاولون حرفاً ومهناً أخرى ، أكتب حتى يقرانى الآخرون، ولكى أؤثر فيهم، ومن ثم أستطيع المشاركة في تغيير واقع وطني وحمل راية الأمل والكفاح، اكتب لأصحح اخطاء واقعه او أأيد ايجابيات حاصله ، أكتب لأنّ هناك صوتاً في داخلي لن يسكت مطلقا حتى اخرجه ، فهي ليست مجرّد ثرثرة كما يراها البعض ، ولن يتم ترويض الصوت الذي يسيطر علي إلا بالكتابة، ربّما كان الصوت هو السجن الكبير الذي اقبع فيه ولا اتحرر منه إلا من خلال إقدامي على فعل الكتابة، فالكتابة مفهومها عميق لدى الكاتب ،والكتاب لديهم احساس داخلي جميل وتفكير واعي فبطبيعة الحال الكتابة بعضها همّ فردي، وبعضها همّ وواجب مجتمعي، إضافة إلى الهمِّ الكوني الذي هو هاجسنا جميعا، فالإجابة على السؤال يتشعب كما انك تتحدث عن الحياة .
وقد ذكر الكاتب محسن علي السهيمي مؤلف عدة كتب من ضمنهم وجه الصباح ديوان شعري أن هدفه من الكتابة ان يكتب الإنسان ليمارس حقه في الحياة، يكتب ليجسد -عبر الكلمة- ما في نفسه من مشاعر وتصورات عن الكون والحياة والطبيعة، وعن قضايا المجتمع والوطن والعالَم، يضاف لذلك أن الكتابة نوع من الممارسة الإبداعية يستطيعها من يمتلك أدواتها، تمامًا كالشِّعر.
واضاف:” عن نفسي أكتب بدافع إظهار ما أراه أقرب للحقيقة عن العديد من القضايا التي تشغلني، ثقافيةً كانت أو فكريةً أو مجتمعية أو سياسية، أكتب لأن الكتابة -في الصحف والمجلات- كانت هدفًا يغريني وأحلم بممارسته، وأمرًا يبعث فيَّ الدهشة والإعجاب، ولذلك كنت -ولا أزال- أرى الكتابة في الصحف والمجلات (الرصينة) مؤشرًا على الكفاءة والاستحقاق، أكتب لأنني أراني أستطيع المساهمة في سد ثغرة ما في قضية ما تحتاج للتناول بمصداقية وشفافية، أكتب بدافع الإفادة للقارئ، وبدافع الجدل المثمر؛ تصويبًا لرأي مطروح أو تقويمًا لفكرة متداوَلة، أكتب طمعًا في التخفيف من معاناة الإنسان، وتبيانًا لمطالبه واحتياجاته، وإخراجًا له من فوضى قد تعتريه، ونقدًا لحال قائمة تحتاج لتقويم، أكتب لأطرح أفكاري وتصوراتي ثم أرى الحُكم الموضوعي للقارئ تجاهها فأسعد به وأستفيد منه، أكتب لتبقى كتاباتي شاهدة على مرحلة تاريخية بكل حمولاتها. ثم إنه ينبغي ألا نكابر فندَّعي أننا لا نرغب -حينما نكتب في المنابر الإعلامية- في شيء من الاشتهار، وفي ما يترتب على الكتابة من مكافأة -مع أنها شحَّت اليوم- مقابل الارتباط مع المنبر الإعلامي .
وقد قالت الكاتبة أروى الزهراني أحد أعضاء صحيفة عين الوطن : أن الكتابة هي خُلود أجَلّ أحاسيس المرء، فبإمكان المرء أن يتخلّد في جُملٍ تدل عليه للأبد ،
لم أكن أخطط لإصدار الكُتب بقدر كوني جُبلت على الانفعال كتابيًا عوضًا عن اي انفعال غيره منذ الطفولة،
تصب تعابيري كلها في مجرى الكتابة، شيمي في الغضب كانت معجونة بالتأدب الذي يفسره الأدب بالكتابة. ومعالمي كلها تتهندم الصمت ، سجيتي في الحزن – في الألم – في الامتنان- في المحبة – في معظم العواطف وأضخمها كان مجراها الكتابة، و بعد ١٦ عام من الكتابة كانفعال وتعبير وميول واضطرار
ننتبه جيدًا لذواتنا، نتفحصها بعد كل شقاق مع الحياة بخصوص طموحاتنا، نُندد بالغاية التي هي سر الحدث الإنساني الذي نمارسه، بل في الوجود المُعترف به ونعلم مسبقًا أن هوية ذواتنا لن يغذيها الظلام والمساحات المغلقة, لن تصمد هناك، كمعرّف أبديّ لها لا يتبدد .
كمعرّف أبديّ لها لا يتبدد . انتسابنا إلى هُنا ” حيث الكتابة ” يعد غاية وبقية الأماكن منافي تُصر أن تُرمّدنا حد التلاشي.
لقد أضحى البوح قرارًا أصيلًا لذوات ترى كفاية بأنها جاهزة وتستحق يتردد المرء كثيرًا في طرح الحِكم التي تخلّقت في روحه إثر معاناة طويلة ولا انتهاء لها، ولكنه يفعل مثلما يفعل الناجون من الغرق، يلوح للحُطام بعين العرفان والتقدير، وقد فعلتها لمرات بشأن الكتابة ولم أزل أمارس هذا العرفان كشعيرة!
ونهايةً ًو بعد سؤال نخبة من الكتاب والمؤلفين عن هدفهم من الكتابة ، ما نلخصه من هدف الكتاب هو :-
1_ إدراك أن الكتابة رسالة عظيمة ومهمة جسيمة وأنها ساعد في نهضة البلاد ورفع الثقافات .
2_ أن يجعلوا هدفهم الأساسي من الكتابة رفعة الثقافة العربية وليس فقط الربح.
3_ استشعار تلك الموهبة العظيمة التي أودعها الله فيهم و استعمالها في كل طيب وإثقالها بالقراءة لأن القراءة الوجه الأول للكتابة .
4_ أن يدرك أن تزايده في الكتابة تجبره على تحمل المسؤولية تجاه القارئ و لقد سبقني إلى هذا الكاتب أحمد خالد توفيق الذي قال: كلما تقدم الكاتب فى الكتابة كلما أدرك أن هناك التزاماً تجاه قرائه.