بين صحوة الضمير وجلد الذات
” التباس وهدم”
قلم: أروى الزهراني
إن التمعن في السلوكيات الصادرة منا والتحسس إزاء المواقف، نابع من أكثر أعماق الإنسان استشعار وتيقظ، من الضمير الذي تأخذة الغفوات ولكن لا يموت- يتم قمعه وتكميمه من قِبل المرء أحيانًا ولكنه لا يموت إطلاقًا ..
أحد نواميس الطبيعة البشرية وركائز حياة الإنسان صحوة ضميره، أحيانًا الإنسان نفسه لا يدرك مدى حساسية ضميره حتى تنتفض دواخله كلها تجاه أمر ما لا يجب التغافل عنه، ومن هنا تكمن نعمة الضمير وقوة استشعاره تجاه كل ما يبذله الإنسان من تحركات، إلا أن المبالغة في تقدير سلطة الضمير وحتمية صحوته أدت أحيانًا إلى طمس إيجابيات الذات والصور البيضاء في مداها عند فئة من الناس تتبع المفاهيم دون منطق، تُعمم غالبًا نظرة تشاؤمية لدى أصحاب هذه النظرية تجاه كل الوجود والمستجدات، فنجد الذوات تُجلَد على الدوام وتُثبَط مهما بدر منها من محاسن، وهذا الفكر ليس ثمرة صحوة الضمير بحد ذاتها ولكنه محصلة لفكرة مغلوطة عن فكرة الضمير بمجمله وما ينبغي بذله من سلوكيات تعكس مفهومه في نظرهم!
في هذا اللبس نجد دائمًا طرف يهاجم على الدوام حتى ذاته وآخر يبتلع الفكرة ويُحاول ترميمها بما يميزه من سمات وأحيانًا يفشل، فالشعور بالذنب والتقصير عبء والإحساس الذي يزرعه جلد الذات رغم كل اجتهاداتها يبطئ من سعي المرء نحو الفضيلة، يُعمم إحباطًا كثيفًا يُفسد معه كل منفذ.
وأذكر مثالًا حيًا لهذا على سبيل التخصيص:
صحوة الضمير في الشهر الفضيل واشتباكها بشراسة مع جلد الذات، وكيف يتداول البعض منا عبارات استخفاف تجاه ما يبذله العموم من العبادة والسلوكيات ويُتعمّد عقد المقارنات بينها وبين أزمنة مضت وأرواح توفاها الله، الطريقة التي تتم فيها عقد المقارنات بحد ذاتها مدوية للذات المتهيئة للعبادة والتجديد، تحت مظلة صحوة الضمير تُقتل الذوات أحيانًا، تُسلَب حماستها تجاه البذل والتوبة، تشعر بالقنوط تجاه مسيرتها فلا تعد تملك أسبابًا للسعي..
صحوة الضمير لدى المرء يجب أن ترتبط بفكر متعقل ولسان متزن حتى يمنحنا قولًا مُحكَمًا وواعيًا وحياديًا لا ضرر ولا ضرار حتى تجاه ذاته، في إطار مترابط مع الذات ولا يشتبك معها، بدون هذا الوعي ستفسد الذات بتحطيمها على الدوام.
ترتبط في إدراك البعض منا مفاهيم مغلوطة تجاه بعض الأمور، وصحوة الضمير مقرونة بالذات من أكثر المفاهيم تعرضًا للالتباس والتعقيد رغم كونها نعمة مغروسة في جميعنا إلا أن البعض بجهلهم للمقاصد تمادوا في تكريس مثل هذا الأمر بمغالاة في هدم الذات وتثبيطها، مع عدم المراعاة بأن النفس مجبولة على التوبة بشكل متكرر والاغتسال الروحي تتهيأ له البشرية كل لحظة وفي كل عبادة وما من صحوة ضمير متعقلة تقف عائقًا بين الذات واجتهادها في التحسن والتجديد.
شهر رمضان فُرصة ونافذة أمام الضمائر المعقودة بصحوتها في الذات، فالصوم عبادة تستلزم الإتقان والتجدد، ومع تأهب الذات وشحنها بالحماسة واليقين بما يقوم به الضمير الواعي من مُحسّنات فإن هناك ما سيثب إلى السطح من سلوكيات محمودة مُتقنَة لا ينبغي التقليل من شأنها أبدًا، هي ثمرة التحام الضمير بالذات بطريقة تعي فحوى الإنسان وسماته وما يمكن أن يبذله وتكفل أحقيته في البذل دون تنغيص.
تتغذى الذوات على بعضها، فإما ترتقي وإما تتآكل وتتعفن في مدى يملؤه السواد، فلا تُجرّم أية ذات وتُقلل من قيمة سلوكها بسبب إدراكك المُعلّب بصحوة ضميرك وتستغل سُلطة مكانتك المجتمعية في أي نسق تسكن فيه وتجاهد في افتراس من هم أقل منك عمرًا أو ثقافة، فمع هؤلاء جُرمك أكبر..
الذات والضمير وجهان لعُملة واحدة لا تغيب عن عقل الانسان السوي، فكل ما في المرء سِمات وجب توجيهها بتعقل نحو ما يبني هذا الإنسان وليس ما يوقف ازدهاره، والأصح في تقديري أن صحوة الضمير تبني ثورة نيّرة على أسطح الإنسان مُحوطة بالانفعالات والتأمل ليس فيها أي مظاهر عنف أو تهلكة.
التعليقات (٠) أضف تعليق