عين الوطن ـ طلق المسعودي ـ أنا الأبيض المُتفاني ..
قف أيها القاريء وتأملني جيداً، قلبني ككتابٍ مهلهل الأوراق بيدين رقيقتين، اقرأني ولا تُكلني للنسيان، فستجدني ملء بصرك و قلبك، وحيداً ولست الوحيد الذي يحاول إخفاء براثن يوم سخيف جديد، أراقب حذائي وأمسح عنه كُل أثر لقلبي الذي سحقته أسفله ووأودعته سلة المهملات.
ما قيمة النور الذي أهديته لهم في الصباح وأنا أعلم بأنهم سيدفنوني في الظهيرة، ماقيمة لوني الأبيض الناصع وهم يروني أصفرَ كالمرض والنار، أصفرَ كالغسق كالغروب والغياب، أصفرَ لئيماً متوحشاً أُشبه الموت.
وأنا كما أنا ( السجين والجلاد) أتقبل سهامهم كمذنب حقيقي وأرفض إيقاظ نفسي، أمد أقدامي راكضاً في درب العطاء، ثم أجدهم يهرولون في طريق الجحود، و أجد نفسي تائهاً بين الطريقين ، ولا فرق بين الرحلتين، فأنا ميتُ في رحلة الذهاب وميتُ في رحلة العودة، أقف على حد الفراغ أراقصُ دمعةً تحشرجت في حنجرتي تأبى الكرامةُ هدرها.
لقد أماتوك ياقلبي طلبًا في قتلي، وصوّب الجاحدون سهامهم نحوك لتتخضب بالدماء، فأصابت مني مقتلًا ؛ لأن كرامتي أعز ما لدي، بل كل ما أملك، كانت أقوى من جبل صلد راسخ في البراري، وأرق من ابتسامة تمحوها نظرة قاسية.
فليسمع أعدائي ما أقول: إن القتل أخف جرمًا من تجنيكم عليَّ، فقد سلبتموني ما لا قبل لي بالاستعاضة عنه بشيء، ذلك ما أقوله لكم أيها الأعداء، لقد سلبتم مني تفكيري، وها أنا ذا أحمل هذا الإكليل لتذكاره حاملًا معه غضبتي عليكم؛ لأنكم قصَّرتم مدى أبديتي فانقطعت كأنها صوت ينقطع في الزمهرير تحت جنح الظلام.
أتذكر أني نذرت النُذُر بأن أرجع عن دروب الكراهية، ولكنكم حولتم كُل ماحولي إلى قروح، فإين ذهبت نُذُري الطاهرات؟
ورغم ذلك تلمّست دروب السعادة وسِرت بها كفيفاً وحيداً، إلى أن أمسكت يدي هالةً من نور، جعلتني أرى أكوام القذارات التي رميتموها في طريقي القديم، أنني لأعجب من تحملي لهذه الصدمات، وتجاهلي لما فتحتم بي من جروح .
وأعتقد بأنني واجهت ذلك لأنني الأبيض المتفاني، أبيضَ واضح في الحديث والصمت، شفافاً فاضحاً لا تشوبه شوائب من كرهتهم وكرهوني، وما عدت أعجب يا أعدائي من أن أجد نفسي بين كَفَيّن، أحدهما يُهيل عليّ التراب، والآخر يلوّح لي عشقاً.
التعليقات 1
ريم المطيري
2017-12-20 في 12:15 م[3] رابط التعليق
كَتبت .. فأوجزت فأوجعت 👍