بقلم | محمد شريف
من توفيق الله عز وجل للعبد أن يسخر له الوقت وأن يبارك له الجهد ومن أعظم بركاته وتوفيقه إذا جُعل هذا الوقت وصُرف هذا الجهد لتدبر كتابه الكريم
معكم محمد مَاؤون من جزر المالديف, قبلت في جامعة أم القرى في عام ألفين وأربعة عشر.
عندما أكرمني الله بالالتحاق بهذا البلد المبارك لطلب العلم وتركتُ بلدي جزر المالديف من أجل الدراسة ثم التحقت بمعهداللغة العربية لغير الناطقين بها. في المستوى الثاني في المعهد، التحقت بحلقة التحفيظ في جامع الراجحي. وَحفظت الجزأين الأخيرين. وَلكن تركت التحفيظ في المستوى الثالث بسبب انشغالي بالدراسة. وَلكن هذا الانشغال لم يثمر ثمراتٍ علميةٍ كَما رجوت . أقصد بثمرات علمية: تعلم مهارات جديدة ؛ حفظ القرآن و المتون إضافة على التقدم في الجامعة.
وفي تِلْكَ الفترة كُنْتُ أتعجب مِن الجهد العلمِي لَدَى بعض زملائي في الفصل .إنهم كانوا يقضون أكثر الأوقات في حلقة عاشور بخاري (تحت إشراف فضيلة الشيخ د.حسن بخاري ــ حفظه الله)حتى ظَننَا أنَّهم سيتخلفون في الدراسَة؛ فإذا بهم يتفوقون فِيْهَا، رأيتهم نالوا بَركَةً في الحياة ،وصفاءً في الذهن، وَقوةً في التركيز بسبب القرآن.
وأحيانًا كُنْتُ أقُولُ لنفِسي غدًا سألتحِق بهذه الحلقة المباركة. وَلكني كنت أتَخَلّف وَ أَتردّد . وأقول: لَو التحقت بالحلقة كيف أجد وقتًا للمذاكرة.
وَمَرَّت الأيام.. وتخرجت من المعهد في عام 2016م ثم التحقت بكلية العلوم الاقتصادية و المالية الإسلامية. وَذات يوم جائتني بعض الرسَائل عَن فضل تلاوة القرآن . قرأتُ هذه الرسائل فاسْتَوْقَفَتْنِي وَخاصة الرسالة التي فيها:
(يقال لصاحِب القرآن اقرأ وارقَ وَرتل كَمَا كُنْتَ ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها).
أخرجه الترمذي
وَعرفت أن العلم الوحيد الذي سيبقى مَعِي حَتى بعد الموت هو القرآن.
والحمد لله .. التحقت بحلقة عاشور بخاري في بداية المستوى الثاني في الكلية. وَازداد رصيدي الإيماني وَمستواي العلمِي.. وَحفت بي البركة… سبحان الله! فالبركة بسبب القرآن لا مَثِيل لَهَا.
وإليكم بعض النصائح التي أسداها إلي أستاذي الحافظ أحمد خضر:
أولاً : الأخبار محرقة الأعمار :
فمتابعة الحوادث في العالم و المشاكل التي هي خارج تأثير الإنسان تذهب بعمره التي هو رأس مال المسلم و شاهدت مقطعا مؤكدا لهذا من Daniel Goleman قال فيه
Exposure to more information will cause lack of attention
يعني: “التطلع الى المعلومات الكثيرة (التافهة) يسبب شرود الذهن”
هذا دفعني أن أقلل من استخدام فاسبك و الواتس و قراءة الأخبار
ثانيا: لما كنت أحفظ سورة محمد , كانت عندي ترددات و تنبيهات كثيرة في القراءة، و الأستاذ أحمد لم يسمح لي أن أنتقل الى سورة الأحقاف حتى أتقن سورة محمد و أمضيت أسبوعا كاملا ، كل يوم أسمع عنده سورة محمد فلما مللت من التكرار واستعجلتُ عليه نصحني فقال لي “كيف تبني على أساس غير ثابت و تتقدم؟!!
ثالثاً: قال المتنبي:
تُريدين لُقيانَ المعالي رخيصةً..
ولا بُدّ دون الشَّهْدِ من إِبَرِ النحلِ .
فقد أجمع العقلاء على أن النعيم لا يدرك بالنعيم،فمن تعب أكثر ارتاح أكثر ، وإن لم يكن في الدنيا كان في الآخرة إن شاء الله.
رابعاً: نصحني بأن أبحث عن بيئة مجتهدة؛ فالبيئات المجتهدة تدفع دائما للأعلى و البيئاتُ الضعيفة و المثبطة و المتكاسلة تمنع الإنسان من الارتقاء و التقدم، هذا إن لم تقتل الحماس و الشغف في قلب الإنسان .
ثم إنه من الجدير بالذكر؛ أنني استفدت كثيرا من الاختبار الذي أُجْرِيَ لنا في هذه الحلقة . هذه التجربة علمتني أن هذا الأمر (أعني حفظ القرآن ) جِدٌّ، و أن عليَّ الاجتهاد في تعاهده ، ولو راجعت كل يومٍ كما راجعت لهذا الاختبار؛ فلسوف يكون إنتاجي كبيراً . وإنه إذا طال علينا الأمد بدون اختبار؛ لربما تغَشَّانا غبار الخمول و الكسل .
و من ثَمَّ زل عجبي من بعض زملائي في الحلقة، فإن معرفتهم باللغة العربية أقل درجة مني لكنهم يكملون حزبهم بدون أي خطأ. و كنت أفكر ما السبب في هذا التفوق؟ ماذا كانوا يفعلون؟ و سألتهم عن جدولهم اليومي. فاكتشفت شيئًا غريبا فأكثرهم من طلاب معهد اللغة العربية و هم ينتهون من الدراسة كل يوم في الساعة الواحدة و عودتهم إلى مساكنهم في الساعة الثانية . ثم يستريحون ثم يذهبون الى حلقة التحفيظ و يرجعون الساعة التاسعة ثم يبدئون المذاكرة وفي نفس الوقت يراجعون حفظهم من القرآن حتى الثانية عشر ليلاً.
فعرفت أن تفوقهم و تقدمهم لا لشيء إلا لأنهم بذلوا جهدهم فوق جهدي في وقت الجد نهارا و في وقت الراحة ليلا.
وأخيرا وليس آخراً..
سنبقى مدينين لكم طوال حياتنا أيتها الحلقات المباركة
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما وعملا يرضيك عنا ..
وارزقنا الإخلاص في القول والعمل
التعليقات 1
أبو عبد الله
2018-06-16 في 2:06 ص[3] رابط التعليق
جميل. حياك الله