استهداف برنامج الأسلحة الكيمياوية لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، لا يعني أن سوريا تمثل التهديد الأكبر للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة، ولا يعني أيضاً أن النظام هو الهدف رقم واحد بالنسبة لـ واشنطن ، وبالنظر إلى المشهد الأكبر بعيون أميركية، يبدو الأسد مجرد أداة صغيرة بيد إيران.
وفي هذا السياق، قال كبير خبراء شؤون الشرق الأوسط في معهد هدسون للأبحاث في العاصمة الأميركية، مايكل بريجينت، إن “إيران، وبسبب أنشطتها العدائية، تشكل أكبر تهديد لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل”. كما يرى بريجينت أن دعم إيران المتواصل لبناء وتنمية القدرات العسكرية للميليشيات الشيعية في العراق وميليشيا حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، من شأنه أن يقوض الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة برمتها.
ومن العراق كانت نقطة الانطلاق، حيث شكل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ميليشيات شيعية موالية لطهران تحت القيادة المباشرة لقائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، كميليشيا عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله فرع العراق، وحركة النجباء، بحسب قول بريجنت، الذي أضاف: “أصبحت هذه الميليشيات عناصر شرعية في قوات الأمن العراقية، مما يعني ببساطة أن علينا، بموجب القانون، إيقاف العمل بالبرامج العسكرية الأميركية العراقية المشتركة باعتبارها انتهاكاً لقانون “ليهي” الذي يُحظر بموجبه على وزارتي الخارجية والدفاع الأميركية تقديم المساعدة العسكرية إلى أي فصائل أمنية أجنبية يثبت قيامها بعمليات تنتهك حقوق الإنسان”.
لكن هذا لا يكفي، بحسب الخبير الأميركي الذي أكد أن إعادة الاستقرار إلى المنطقة لن يتم إلا بمواجهة النظام الإيراني، المصدر الرئيس للإرهاب والعدوان وانتهاكات حقوق الإنسان، عن طرق التركيز على خطة العمل الشاملة المشتركة التي صممت من أجل ضمان أن يكون برنامج طهران النووي سلمياً بشكل حصري.
واعتبر بريجينت أن خطة العمل الشاملة المشتركة التي وقعها الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، هي أسوأ اتفاق عقدته الإدارة السابقة. إذ أنه في النهاية صب في مصلحة النظام الإيراني، الذي لم يتردد في اتخاذ إجراءات استفزازية وجريئة لدعم الأسد وجذب موسكو إلى سوريا عن طريق منحها عقود بيع أسلحة لدمشق وعقودا نفطية تقدم من طهران.
وقال بريجينت محذراً: “إن الخطة في حالتها الراهنة تسمح لإيران بالعمل على تطوير برنامج الصواريخ الباليستية مما قد يجعل إيران قوة عسكرية اقتصادية وتقليدية، مع وجود إمكانية تحميل هذه الصواريخ رؤوساً حربية إذا ما اختار الإيرانيون ذلك”، مضيفاً أن “كل أنشطة طهران الخبيثة المتعلقة بالاستقرار أصبحت تحت رعاية وحماية هذا الاتفاق النووي. فمنذ لحظة توقيعه سعت إيران لشراء منظومة الصواريخ الروسية أس- 300 وإدارة برنامجها الصاروخي في الآن ذاته، فيما تمكنت من خلال الأموال التي تحصل عليها بموجب الاتفاق النووي، من تشكيل ميليشيات أجنبية جديدة تابعة حصرياً لها، أُضيفت تكاليفها على ميزانية فيلق القدس”.
كذلك دعا الخبير الأميركي إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى “الابتعاد عن الصفقة الإيرانية وزيادة الضغط على طهران وبغداد. علاوة على ذلك، فهو يوصي بتقوية نفوذ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أقوى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فيما يستمر النظام الإيراني في مواجهة غضب شعبه الذي يعاني من وضع اقتصادي صعب وينظر بحسرة إلى كل الأموال التي تم إنفاقها على ميليشيات خارجية. فقد كان الأجدر بالحكومة أن تستخدمها لتحسين معيشة الفرد الإيراني الذي يعاني من غلاء الأسعار الفاحش”، مؤكداً: “سنستعيد النفوذ الذي كان لدينا قبل أن يرفع أوباما العقوبات وسنعيد فرض العقوبات على البنك المركزي الإيراني. ستكون هناك عقوبات على الاقتصاد الإيراني، وسنتفاوض من موقع قوة”.
ولكن، هل تُترك قيادات الميليشيات الشيعية الرئيسية تعبث في الأرض خراباً دون حسيب أو رقيب وتهدد أمن الولايات المتحدة وحلفائها بتشكيل “الهلال الشيعي” الموعود في المنطقة؟
فأجاب بريجنت: “الخبراء والعاملون في مجال الاستخبارات، إضافة الى قيادة العمليات الخاصة المشتركة طالبت الجهات المعنية بإدراج اسم قائد قوات فيلق القدس، قاسم سليماني، على قائمة الاستخبارات المشتركة للشخصيات التي يجب استهدافها لدواع أمنية، إلى جانب قائد ميليشيا عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، ونائب قائد الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، إضافة إلى ضرورة استهداف أي قائد ميليشيا عميلة لإيران يهدد بقتل الجنود الأميركيين في العراق و سوريا”.
وبقدر ما يبدو الحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط معقداً وصعباً، إلا أن عضو معهد هدسون للأبحاث اقترح معالجة جوهر المشكلة بخطوتين: أولا التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، ثانياً فرض مزيد من العقوبات على النظام القابع في طهران مما يجعل فيلق القدس غير قادر على تمويل ميليشياته العميلة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
في النهاية، من سيقرر مصير حكومة إيران هو مواطنها المنتفض المضطهد. وبمجرد أن يتخلص شعب طهران من هذا النظام القمعي، سيتلاشى حكم العمامة بين صفحات تاريخ لن يذكر، مما سيعبد الطريق أمام هذه الأمة العريقة لاستعادة حريتها وإنسانيتها.
اقرأ أيضاً