التقنية الحديثة بمختلف أنواعها و أشكالها وأحجامها
جعلت للحظاتنا وأوقاتنا شكلاً ورونقاً وجمالاً آخر بخلاف سابق الزمان الذي كنا نكتفي بتوثيق تلك اللحظات في مخزون ذاكرتنا الآدميه والتي قد تحذف مع مرور الوقت جزءاً كبيراً منها جرّاء النسيان، و الذي هو من طبيعة النفس البشرية .
أما في زمننا الحاضر فنحن نوثقها من خلال التقنية الحديثة و المتمثلة في الهواتف الذكية أو الكاميرات بكل تفاصيلها و نستمتع بمشاهدتها ونعيش لحظاتها كما لو كنا مازلنا نعيش اللحظة .
إلّا أن هذه الهواتف سلاح ذو حدين فكما أن لها إيجابياتها فإنها تحتوي على السلبياتِ كذلك .
و من هذا المنطلق نتناول جانبها السلبي
واستخدامها في التصوير العشوائي و اقتحام خصوصيات الآخرين و انتهاكها دون مراعاة لحقوقهم
مما تسبب في مأساتهم ،
ومن تلك المآسي والقصص الحزينة والمؤلمة التي كان سببها التصوير العشوائي ، وقفت عين الوطن على نماذج هم ضحايا للتصوير العشوائي وكان هذا اللقاء بإحدى المتضررات من ذلك :
الأخت .م ن. -والتي فضلت عدم ذكر اسمها- قالت : فرحنا فرحاً كبيراً حين طرق النصيب باب ابنتنا وتقدم لها شاب كفء على خلق ودين وتم الإتفاق على كل شيء يخص إتمام مراسيم ذلك الزواج، وجهزت شقة الزوجية
وأتى اليوم المُنتظَر وهو يوم الزفاف، ففي يوم زفاف ابنتي
قُمنا بتوضيحٍ في كرت الدعوة أنه يُمنع دخول الهواتف الذكية قاعة النساء، وبالفعل قد كن حارسات الأمن بالقاعة يقضات ولم يسمحن بدخول أي هاتف ذكي إلا هواتف أقارب العريس والعروس، ولكن إحدى القريبات منا نحن عائلة العروس وهي أختي كان هاتفها الذكي مع ابنتها والبالغة ثلاثة عشر عاماً من العمر، وكانت طوال الوقت تصور وتوثق كل شيء عبر حسابها بالسناب شات
فكانت صورنا واضحة بما فينا العروس، فقد كان لها النصيب والحصة الأكبر من ذلك التصوير وما إن انتهت الحفلة وعدنا الى منازلنا وابنتي ذهبت مع زوجها للفندق تفاجئنا بجرس الباب يرن، فتوجه زوجي ليرى ما الأمر فوجده زوج ابنتي قد رد ابنتنا قبل أن يدخل بها وطلقها عند الباب قائلا ( ابنتكم صورها منتشرة في كل مكان فمن قام بتصويرها دعوهُ يتزوجها وخرج وانتهت فرحتنا بمأساة نتيجة التصوير .
كما التقت عين الوطن الأخت مريم احدى المقيمات بالمملكة وحول معاناتها مع التصوير العشوائي قالت :
بينما كنت أصلي صلاة العشاء في رمضان العام الماضي غافلني طفلي البالغ من العمر ثمانية أعوام و هو من مرضى متلازمة داون والذي لا يعي مايحدث حوله
وخرج للشارع، فما إن أكملت صلاتي تفقدته وهرعت لإيقاض والده والذي كان نائماً ، و نهض على الفور ولم يمضي على خروج ابني وقتاً طويلاً سوى دقائق،
وحين خرج والده للبحث عنه وجد أحد سكان الحي متجه به نحو المنزل فقد عرف أنه ابننا، فسلّمه لوالده وعاد به للمنزل ولكن في اليوم التالي فوجئنا بصورِ ابني منتشرة عبر مواقع التواصل، و كُلاً نشر الصورة بقصة تختلف عما قبلها فهناك من كتب ( طفلٌ معنّف بسبب مرضه و قاموا أهله بطرده خارج المنزل ) .
وآخر كتب ( هذا الطفل مختفٍ منذُ مدة فمن يعثر عليه ويسلمه لمركز الشرطة سيحصل على مبلغٍ مالي ) .
وكم تضررنا نفسياً وتعبنا من ذلك، فمن سمح لنفسه بتصوير ابني ومن سمح لكل هؤلاء بتداول الصورة وتأليف القصص حولها،
وكيف سنأخذ حقنا من المتسببِ المجهول ؟
كما التقت عين الوطن الأخت رؤى والتي قالت :
حُرمت من اكمال دراستي الجامعية قبل ثلاثِ سنوات ولم يتبقى على تخرجي سوى فصلين دراسيين ،
تقول بينما نحن في الباص الذي يقلّنا من وإلى الجامعة في طريق العودة للمنزل وكان الوقت في الظهيرة وحرٌ شديد وانا من مرضى الربو ،
فجلست في آخر الباص وداريت وجهي خلف المقاعد وكشفت غطاء وجهي من أجل أن أتنفس، ولا أعلم من هي الطالبة التي استغلت الموقف وقامت بتصويري
وأرسلت الصورة على هاتف أمي وحين وصلت إلى البيت وجدت الكل يشتاظُ غيضاً مني ولم يسمحوا لي بأن أدافع عن نفسي، وقام والدي بضربي وحرماني من الجامعة،
فتبدد حلمي وتحطمت نفسي .
كما التقت عين الوطن الخالة أم سعود وقالت :
دعتنا إحدى الجارات لجلسةِ سمرٍ وتناول طعام العشاء بمنزلها بمناسبة تخرج ابنتها من المرحلة الابتدائية،
وبينما كانت المرأة تذهب للمطبخ كن يقمن بعض الجارات بتصوير أثاث المنزل وسفرة الطعام دون إذنٍ من صاحبة المنزل فسائني تصرفهن وحين أسديت لهن النصح لم يعرنني أي إهتمام .
ولم تقف تلك الظاهرة عند هذا فحسب بل هناك من المصورين من يتجرد من إنسانيته ويتحول إلى جماد كهاتفه الخلوي خال من المشاعر، يتصيد طوال وقته مصائب الناس ويرصد عثراتهم، فيبادر بتصوير حوادث السير بدلاً من أن يسارع لإنقاذ المصابين يبدأ بتصويرهم،
أو يصور الخلافات والشجارات بين الآخرين وكان الأجدر به أن يُصلِح بين أخويه أفضل من تصويرهم والتشهير بهم ، ويسارع بنشر تلك الصور عبر مواقع التواصل لأجل الشهرة قبل أن ينشرهاغيره ، فالأهم لديه أن يكون السبّاق للنشر حتى وإن كان الثمن وقوفه على أنقاض الآخرين .
فكيف نحمي خصوصياتنا من المصور المجهول المتطفل ؟نريد قانوناً صارماً يردع أولئك ويحمي خصوصياتنا ويكفل حقوقنا ، فمن أمِن العقوبة أساء الأدب .
فكم من العلاقات هُدمت، وكم من صلة رحم قُطعت، وكم من أسرٍ فُرقت وتشتت بسبب التصوير الغير مسؤول .
هذة نماذج وما خُفيَ كان أعظم .
التعليقات 3
سهام حسين الخليفة / نبع الكوثر
11/10/2017 في 4:41 م[3] رابط التعليق
بسم الله الرحمن الرحيم .. نلاحظ اننا نعيش طفرة تطور وانفتاح واسع جداً .. اغلبه لخدمة الانسان وراحته .. لكن هناك مجموعة تستخدم تلك النقطة استخداماً سيئاً بنوايا مبتذلة او اساليب خبيثة او حتى مجرد ملء فراغ وادعاء العفوية وحسن القصد .. ومنها ما وفرته التقنية الالكترونية ووجود الشبكة العنكبوتية ،، العقل البشري نعمة من الله و للخير وسيلة لا للشر والباطل والانحراف ،، الكاميرا وخدمة التصوير اصبحت سهلة وميسّرة للجميع لا تتطلب تقنية او احترافية عند الاغلبية ، التصوير لقطة مسروقة من حضن الزمن ،، لحظة نعيش تفاصيلها كما لو ان الزمن توقف حينها ولم يمضِ قدماً ،، الى هنا لا مشكلة اذا كانت خاصة بالانسان ومن هو مسئول عنهم وتحت بند المسئولية ، لكن ما يحدث التهور والتسيّب الحاصل ربما بقصد او بدون قصد ،، الواقع الدين يفرض علينا توجيهاته بما يضمن لنا الخير والسلامة ورضا الله منها الاوامر الشرعية في الكتاب والسنة المطهرة حين قال؛.. لا تجسسوا .. اطرقوا الابواب ،، لا تقتحموا الخصوصيات .. لابد من مراعاة مشاعر الآخرين واسرارهم . كلها تصب في قناة احترام حياة الآخرين وطاعة للرب .. بتنا ضحايا لتلك الطفرة الالكترونية.. بل عبيدا لتلك الاجهزة المسماة ذكية ،، ليس العيب فيها بل التقصير من مستخدمها .. ذلك الاستخدام الخاطئ جريمة بحق النفس وبحق الآخرين ،، والمأساة ان هناك من يشجع ويحتوي تلك الممارسات ويفتخر باعداد المعجبين واشارات التصفيق تملا الصفحات ،، ✍🏻 سهام وآسفاه على انسانية لم يبقى منها شيئاً حتى معانيها انتحرت وحروفها تبعثرث في اجواء السخافة والسبب مسمى تطور وتسالي بريئة 🌹🍃
تمتمات
11/10/2017 في 5:30 م[3] رابط التعليق
بارك الله فيك أختي فاطمة على إثارة مثل هذه المواضيع البالغة الأهمية المشكلة أننا نتحدث عن العيوب والمشاكل ولكن لا يوجد حلول جذرية وواقعية إنما الجميع يشجب ويستنكر ولكن الوعي لا اعرف كيف نزرع الوعي هل المشكلة في الإعلام أم التعليم أم العقليات في كل مشكلة إجتماعية نقول لابد من التوعية وللأسف لازال مجتمعنا لايعي إسراف الماء والكهرباء منذ خمسين سنه والحكومات تتحدث عن التوعية ولازال الاسراف يأخذ اشكالا والوانا تختلف باختلاف العصر فما بالك بموجة ساحرة كموجة التصوير التي أشبعت فضول الملايين وغذت آلاف العاشقين لهدم البيوت ناهيك عن العابثين بكل ماهو جميل والمفسدين في الارض شكرا مجددا
سمير
12/10/2017 في 11:45 ص[3] رابط التعليق
ليت ان هناك اذان تسمع وتعي ..فقد بلغت تلك التصرفات حد السخافة والتفاهه .. وغدت هوسا لدى البعض .. وفي اي موقف يحصل في مكان عام تجد الجميع من حولك متسلح بهاتفة ليوثق الحدث .. ويتفاخر بانه قد كان السباق بالنشر
سلم قلمك